29 December, 2020
Post By : admin1
عندما حلّ الإله، إبن الله، في حشا العذراء الفائقة القداسة وأخذ منها جسداً، ولد إنساناً تامّاً وإلهاً تامّاً، من دون تشوّش. متى حدث لنا أمر أكثر أهمية من هذا؟
نؤمن جميعنا بإبن الله هذا وأنّه ابن والدة الإله الدائمة العذرية مريم أيضاً، لذلك نقبل بثقة هذه الحقيقة عنه وحدث التجسد هذا. إن اعترفنا به و تُبنا إليه من أعماق قلبنا، عندها تولد بداخلنا كلمة التقوى تجاهه كبذرة، بالطريقة عينها التي حل بها كلمة الآب في حشا العذراء . اعجب من هذه الآية العظيمة والمدهشة وتقبّلها بكل يقين وإيمان.
إذاً نحن نحمل هذه الكلمة، لا بالجسد كما فعلت والدة الإله العذراء، ولكن بالروح والحق. ونحويه في قلوبنا، المسيح المولود من العذراء الطاهرة نفسه، كما قال القديس بولس: “لأنّ الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح” (2كور 4: 6) كمن يقول: ‘لقد ولد بكلّيّته في داخلنا’ يتّضح هذا مما يضيفه قائلاً: “و لكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية” (2كور 4: 7)، يُقصد ‘بالكنز’ الروح القدس.
في مكان آخر، يدعو الروح القدس ‘رب’ لأنّه كما يفسّر، الروح القدس هو الرب. لذلك متى تسمع ب ‘ ابن الله’ يجب أن تفهم ‘ الروح’ أيضاً، ومتى تسمع ب ‘الروح القدس’ يجب أن تفهم الآب، كما يقول القديس يوحنا: ” الله هو روح” ( يوحنا 4: 24)، معلّماً أنّ الثالوث القدوس غير منقسم ومن جوهر واحد. وبكلمات أخرى، حيث يكون الابن هناك يكون الآب؛ حيث يكون الآب؛ هناك يكون الروح؛ وحيث يكون الروح القدس هناك تكون الأقانيم الإلهية الثلاثة، إله واحد وآب، سويّاً مع ابنه والروح يتشاركون جميعهم الجوهر نفسه: “الذي هو مبارك إلى الأبد امين” ( رومية1: 25).
إذاً حين نؤمن بصدق ونتوب بحرارة، نحمل كلمة الله في قلوبنا ، مثلما حملته العذراء كما قلنا سابقاً، مقدّمين له نفوسنا الطاهرة والعفيفة. كما أنّها لم تحترق بنار اللاهوت كونها كانت طاهرة وبدون عيب هكذا نحن أيضاً لا نحترق حين نقدّم له قلوبنا الطاهرة النقيّة. بل نشعر بدلاً من ذلك بندىً سماوي في داخلنا، ينبوع ماءٍ ودفقٍ من الحياة الأبدية. بالنسبة لحقيقة أننا نتلقّى ملء قوة نار الألوهة أيضاً، اسمع الرب حين يقول: ” جئت لألقي ناراً على الأرض” (لوقا12: 49) ماذا يمكن أن يقصد بذلك سوى الروح القدس الذي له الجوها الإلهي نفسه والذي يأتي إلينا والمعروف عندنا مع الابن نفسه ومع الآب؟
بما أن كلمة الله تجسّد وولد من العذراء بالجسد بحال تفوق الوصف وتتجاوز المنطق وإنّه من غير الممكن أن يلِدَه كل واحد منا بالجسد، فما هو إذاً التدبير الذي صنعه؟ للغذاء، أعطانا ذاك الجسد الطاهر الذي أخذه من الفائقة القداسة والدة الإله حين وُلِد منها. إنْ كنّا نشترك به عن استحقاق فنحن نحوي في داخلنا الإله المتجسّد كاملاً ، المسيح يسوع ربّنا، الذي هو ذاته ابن الله وابن العذراء، الجالس عن يمين الآب والقائل: “من يأكل جسدي و يشرب دمي يثبت فيّ و أنا فيه” (يوحنا6: 56). بالرغم من أنه لم يأتِ منّا ولا ولد بالجسد من خلالنا، إلّا أنّه لم ينفصل أبداً عنّا. لا نشعر به جسديّاً، رغم أنّه في داخلنا، كطفلٍ تماماً، لكنّه بلا جسد بداخل جسد، متّحداً بطبيعتنا وجوهرنا بحال يفوق الوصف، مؤلّهاً إيّانا، ذلك أنّنا أصبحنا بالكلية واحداً معه، لحمّ من لحمه وعظمٌ من عظامه. إنّه السر الأعظم والأكثر رهبةً فيما يخصّ عنايته وتنازله الفائقي الوصف، والذي تردّدت بالكتابة عنه كوني أرتعد من مقاربته .
لكنّ الله يريد دائماً أن يظهر وأن يكشف حبّه لنا، كي نستطيع، في مرحلة ما، الوصول إلى فهم صلاحه المطلق، وأن نكون مستعدّين، إزاء إحساسنا بالخجل، أن نحبّه بدورنا. لذلك حرّكني الروح القدس الذي ينير قلوبنا، لأكشف لكم هذه الأسرار بالكتابة، لا لأبيّن مع ذلك أنّنا نماثل تلك الطبيعة التي ولدت الرب بالجسد- لاسمح الله! إنّه لأمر مستحيل. تجسّد كلمة الله و ولادته من العذراء هو شيء وما يحدث لنا روحيّاّ لهو شيء آخر. بولادتها للابن كلمة الله فعّلت هنا على الأرض سر إعادة خلق الجنس البشري وخلاص العالم أجمع الذي هو ربّنا وإلهنا يسوع المسيح الذي اتّخذ بنفسه ماكان مقسّماً وأزال خطيئة العالم.
☦☦☦
☦️ القديس سمعان اللاهوتي الجديد ☦️